coronavirus كورونا

كورونا، الرابحون والخاسرون

الذي كان يراقب المحللين الاقتصاديين خلال السنتين الماضية يجدهم يتحدثون بنبرة متصاعدة عن توقعاتهم المتنامية بحدوث ازمة مالية عالمية جديدة على غرار أزمة ٢٠٠٨. هناك من عزى ذلك لبعض الأسباب المادية والسياسية وخصوصاً ماحدث بين أمريكا والدول الأخرى وخصوصاً الصين من إعادة للتفاوض على كثير من الصفقات التجارية ورفع الرسوم على المنتجات المستوردة … الخ. البعض الآخر كان ينطلق من نظرية الدورة الإقتصادية التي تحدث كل ١٢ سنة وتنبأ بحدوث أزمة عام ٢٠٢٠ لأن الدورة الإقتصادية ستكمل عامها الثاني عشر بعد أزمة ٢٠٠٨. 

مع كل هذه التوقعات، إلا أنه لايوجد أحد توقع أن تحدث الأزمة بشكلها الحالي وسرعتها والطريقة الدراماتيكية التي ضربت بها اقتصادات العالم. وبعيداً عن كل نظريات المؤامرة، أعتقد أن الأزمة أتت من حيث لم يحتسب العالم سواءاً حكومات أو شركات وما زاد الطين بلة أنها كانت غير مسبوقة لا بشكلها ولا بآثارها فبتالي وقفوا في صدمة وحيرة يتفرجون على تداعياتها ليتخذوا القرارات المناسبة. وبسبب إستثنائية الأزمة، رأينا قرارات غير مسبوقة اتخذتها حكومات شركات لم نتخيل يوماً من الأيام أنها ستمر بأزمة كالتي نراها اليوم. 

كما هو الحال مع كل أزمة، هناك بالتأكيد خاسرون كما أن هناك ايضاً رابحون يتقدمون الصفوف بمنتجاتهم وخدماتهم لأنها تلائم الظروف الحالية والسلوك البشري الذي فرضته الأزمة. على الرغم أن الخاسرون كثر، إلا أن قطاع التجزئة والنقل والسفر والسياحة كشركات الطيران والضيافة بالإضافة إلى قطاع الترفيه والرياضة قد يكونوا هم الخاسر الأكبر من جائحة كورونا.

أما بالنسبة للرابحون، في تصوري أننا نستطيع تقسيمهم إلى فئتين وهما قطاع المنتجات الضرورية وقطاع الشركات التقنية. قطاع المنتجات الضرورية شهد نمواً كبيراً بسبب تغير سلوك العميل، فمثلاً المواد الغذائية الضرورية تنامى الطلب عليها بسببين رئيسيين، الأول هو فزع الناس وخوفهم من حدوث مجاعة بسبب انقطاع التموين والثاني هو تحول جزء كبير جداً من الطلب على القطاعات الأخرى كالمطاعم لصالح هذا القطاع. هذا النمو جعلهم يواجهون بالتأكيد تحديات في أخرى في كالتصنيع والتوريد وسلاسل الإمداد لأنهم مرتبطين بشكل أو بآخر بشركات أخرى. 

أما بالنسبة للشركات التقنية، فالشركات التي تقدم خدمات ومنتجات تساهم في مبيعات عملائها بشكل مباشر إيجابي وتلك التي تقدم أدوات لتحسين تجربة العمل عن بعد يعتبرون الرابح الأكبر بسبب التغييرات الجذرية في سلوك البشر وبيئات العمل التي أحدثتها جائحة كورونا. السبب هو ان الكل يبحث عن زيادة مبيعاته والكل يعمل عن بعد الآن ولهذا السبب إرتفعت قيمة أسهم تلك الشركات في البورصات العالمية في الوقت التي تهاوت قيمة معظم الشركات الأخرى.

وفي الحديث عن الرابحون، لا يمكن أن عن نغفل شركات الأدوات الطبية التي تصنع القفازات والكمامات وكذلك المعقمات كأحد الرابحين وأيضاً شركات الأدوية التي تعمل بالخفاء الآن لتصنيع دواءاً لكورونا والتي ستكون الرابح الإستثنائي العالمي لأن هذا الدواء سيصبح أعلى قيمة وأكثر أهمية حتى من البترول نفسه. 

لاشك أن أكثر ما يميز الشركات الناشئة هو قدرتها على التحرك السريع وهذا بسبب تركيبتها التشغيلية وطبيعتها في البحث الدائم عن الخدمة المناسبة ونموذج العمل الأفضل. لذلك، استيعاب الشركات الناشئة لواقع السوق الذي تعمل فيه وسرعة التغيير قد يكون عامل بقاءها وفناءها لأن ذلك سيحدد كم المدة التي تستطيع فيها الصمود. عملائك قد لايكونوا عملائك بعد أسبوع ومبيعاتك قد لا تسير كما هو مخطط لها، فبتالي سرعة التغيير لديك تصبح العامل الأهم في معادلة البقاء.

 قبل أن تفكر في الخطط البديلة لشركتك، يجب أن تحدد ما اذا كنت في طور النمو أو طور البقاء -وبالتأكيد- من سيبحث عن الخطط البديلة هم من هم في طور البقاء. وبسبب عدم وضوح الرؤية فيما سيحصل وكم ستطول الأزمة، قد تجد الشركات الناشئة المتضررة نفسها مضطرة للتخطيط للأسوأ حتى تضمن بقاءها في حال طالت الأزمة. وهنا سألخص بعض الإجراءات التي يمكن للشركات القيام بها كخطط بديلة وإجراءات ضرورية لتعزيز فرص البقاء:

أولاً، يجب على الشركات التفكير في تقديم خدمات جديدة أو تحسين الخدمات الحالية للدخول على أسواق وشرائح عملاء جديدة لأن هذا سيساعد على تحسين مستوى المبيعات للشركة. 
ثانياً،  يجب تجديد الرسائل التسويقية والدعائية لتتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية وهذا قد يكون عامل مؤثر جداً في سيكولوجية العملاء.
ثالثاً، من المستحسن إيقاف الخدمات الموجهة للقطاعات المتضررة لأنها ستكون عبئاً على الشركة الناشئة إلا إذا كانت هذه الخدمات تساهم بشكل مباشر وإيجابي في مبيعات العملاء أو تقليل تكاليفهم. 
رابعاً، يجب العمل على تقليل من بنود التكاليف وخصوصاً تلك التي لاتساهم إيجابياً في مبيعاتك، واذا كانت احد تلك البنود هي الرواتب فأحرص أن لا تتخلى عن موظفي المبيعات لأنهم العامل الأهم لك حالياً. 
خامساً، أعتقد أنه من الخطأ الإستمرار في الصرف على التوسع والنمو وكذلك حروب الإستحواذ على حصص سوقية مع المنافسين لأنك اليوم تبحث عن البقاء وليس النمو. 
سادساً، قد يكون من الجيد أن تجلب إستثمارات لشركتك حتى لو اضطريت للتنازل عن بعض البنود التي كنت تراها غير منطقية في السابق اثناء مفاوضاتك مع المستثمرين. 

اخيراً، أزمة كورونا تعتبر أزمة غير متوقعة وغير مسبوقة، ونظرياً، أي أزمة غير متوقعة عادةً ما تحدث تغييرات جذرية ودائمة على أرض الواقع. لذلك لايوجد وصفة سحرية أو طريقة مجربة حتى تستطيع الشركات الإستفادة منها لتفادي آثار هذه الأزمة المدمرة. الذي لا نعلمه هو كيف سيكون هو شكل المستقبل وما هي التغيرات التي ستطرأ على سلوك البشر حتى يتم الإستعداد لها. لكن الذي نعلمه الآن هو أن الشركات التي تبنت التحول الرقمي والتجارة الإلكترونية إما شهدت نمواً كبيراً أو على الأقل كان الضرر عليها أقل من نظيراتها التي لم تستوعب الواقع قبل الأزمة ومن المتوقع

‎أضف رد:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد

‎مؤخرة الموقع

‎القائمة الجانبية المتحركة

من أنا

من أنا

عبدالله السعدي متخصص بالتقنية واستثماراتها وريادة الأعمال مهتم بالتجارة الذكية والتسويق والإقتصاد الجديد. يخصص بعض الوقت للتطوع لخدمة المجتمع والاعلام . كاتب في صحيفة سبق.

تغريدات