عبدالله السعدي – مقال نشر في صحيفة سبق
حينما نسمع من يقول بأننا في عصر المعلومات فإنه يتبادر إلى الأذهان التقنية الحديثة وتسهيلاتها الإبتكارية والثورية للوصول إلى المعلومة بوقت وجيز.
هذه التسمية – عصر المعلومات – تبعث إيحاءاً خفياً بأن المعلومة في هذه الوقت أصبحت أكثر أهمية من السابق وهذا بالتأكيد غير صحيح. فالمعلومة هي الركن الأساسي لعملية اتخاذ القرار الذي يعتمد على سيكولوجية الإدراك التي تولد مع الإنسان وولدت مع سيدنا آدم عليه السلام. إذن فهي في “عصر المعلومات” ليست أكثر أهمية؛ لأن القرارات الكبيرة والصغيرة التي اتخذها الإنسان منذ بداية الخليقة حتى يومنا هذا اعتمدت على المعلومة وتختلف درجة أهميتها باختلاف أهمية القرار.
الفارق في هذا العصر هو حجم المعلومات التي استطاع الإنسان – باستخدام التقنية- التقاطها والاحتفاظ بها. فكتب الكتاب وعلم العلماء وأفكار المفكرين وخواطر البسطاء وتغيرات الأرض الفيزيائية وتحولات السحب الكيميائية وانبعاثات البحار والبراكين الطبيعية استطاع الإنسان التقاطها على شكل بيانات في هذا العصر وفقط في هذا العصر عن طريق التقنية.
التقنية الحديثة صنعت مصطلحاً جديداً يعرف ب”انفجار البيانات”. الإحصائيات المذهلة التي أخرجتها شركة “دومو 2014” عن حجم البيانات التي ينتجها البشر – فقط البشر- في الدقيقة الواحدة كفيل بأن يرسم جميع ملامح الاستغراب والتعجب على وجه كل قارئ لهذا المقال. فمستخدمي فيسبوك ينشرون ما يقارب 2،5 مليون محتوى، ومستخدمي تويتر يكتبون مايقارب 300 ألف تغريدة، ومستخدمي انستقرام يرسلون ما يقارب 220 ألف صورة، ومستخدمي يوتيوب ينتجون 72 ساعة محتوى فيديوي، ومستخدمي الايفون يحملون حوالي 50 ألف تطبيق، ومستخدمي الإيميل يرسلون اكثر من 200 مليون رسالة، وعملاء أمازون ينفقون أكثر من 80 ألف دولار. لا ننسى، كل هذا في الدقيقة الواحدة. هذه الإحصائيات تجعلنا نصدق أن90% من البيانات الموجودة لدى العالم اليوم هي من إنتاج الأربع سنوات الماضية فقط و10% هي من فجر التاريخ حتى قبل أربع سنوات.
الأغرب في هذه الإحصائيات هو ليس التقاطها بل سهولة الوصول إليها بشكل ميسر يتوافق تماماً مع صيغة الطلب. فتقنيات البحث أو ما يسمى بعلم “تنقيب البيانات”- وهو علم يختص بفحص البيانات وتحليلها لاستخراج المعلومة المطلوبة- يساعد طالبي المعلومات من الوصول إلى غاياتهم بشكل غير مسبوق عن طريق حلول ابتكارية تحد من ضياع الأوقات في البحث عنها، وهذا بلاشك يرفع مستوى الإنتاجية سواءاً على المستوى الفردي، أوالإجتماعي، أو الوطني.
وبالرغم من هذا كله، لا تزال بعض الجهات الرسمية تمارس اعمالها بالطريقة التقليدية ولم تستثمر في التقنيات الحديثة التي تساهم في تسهيل حياة البشر. فتجد المواطن يضيع في دوامات تلك الجهات بسبب عدم توفر المعلومة –رغم بساطتها- فيدور في اروقتها ترهقه بيروقراطيتها وتجهده طوابيرها للحصول على “المعلومة” التي ممكن أن يحصل عليها بضغطة زر وهو يحتسي كوب قهوته على مكتبه.